algamal
الأنتفاضة الأولي جعلت فتيات فلسطين يبحثن عن الأثواب المطرزة
الأنتفاضة الأولي جعلت فتيات فلسطين يبحثن عن الأثواب المطرزة
رغم صغر حجمها الجغرافي، تتميز فلسطين بأزيائها النسائية المطرزة العديدة، التي تختلف ليس من مدينة لأخرى، بل يمكن القول من قرية لأخرى، وتشهد السنوات الأخيرة عودة إلى الأزياء في إطار إحياء التراث الفلسطيني، وبدأت تستعيد الأزياء المطرزة، التي ترمز إلى هذا التراث مكانتها من جديد بعدما هجرها أهلها لسنوات طويلة ربما لضيق اليد حيث إن أسعار هذه الأثواب مرتفعة، لما تستغرقه من وقت للإعداد أو مواد مثل الحرير والأقمشة.
فهي الآن لا تكاد تغيب عن أي من المناسبات الفلسطينية وحتى حفلات زفاف، أو مناسبات الخطبة أو ليلة الحناء، بينما ترتديه بعضهن إلى جانب الثوب الأبيض.
يذكر أن الزي الفلسطيني النسائي كان مشهدا غير مألوف في مناسبات الأعراس في العقدين الماضيين، إذ اقتصر ارتداؤه على القرويات لا سيما كبيرات السن منهن، وان ارتدينه نساء المدينة فيكون في مناسبات وطنية أو في عروض.
وتنهمك خبيرة التراث الفلسطيني مها السقا، في مركزها الكبير عند مدخل مدينة بيت لحم، جنوب القدس المحتلة، بالإشراف على عاملات يطرزن مجموعة من الأثواب الجديدة، بعضها للعرض وبعضها للبيع، وأخرى للعرائس اللاتي أجلن زفافهن إلى ما بعد شهر رمضان، ذلك أن موسم الأعراس في فلسطين يستمر حتى بداية فصل الشتاء.
وقالت السقا، وهي تعرض مجموعة من أثوابها التي يرمز كل واحد منها إلى مدينة فلسطينية: «رجعنا مرة أخرى للأصل، رجعنا للتراث».
وأوضحت السقا، أن الإقبال على ارتداء الأثواب المطرزة، شهد خلال العامين الماضيين ارتفاعا كبيرا، وأضافت «الناس رجعت تمارس التراث .. صار هناك إقبال كبير، من كل مكان في فلسطين تأتينا العرايس».
وبسبب ارتفاع كلفة الثوب المطرز التي تجعل تملكه بعيدا عن قدرات الكثير من الفتيات أحيانا، ظهرت فكرة التأجير، لا سيما في الأعراس، كون العروس لا تكتفي بثوبها بل تريد أن ترتدي كل من معها من صديقات وقريبات هذا الزي التقليدي.
وفي محاولة منها لمجاراة الحداثة، أدخلت السقا، التطريز الشعبي القديم على الأثواب العصرية، ومزجت بينهما، موضحة «أريد أن يبقى التراث ملكا لنا، ولذلك وضعناه على الأثواب العصرية.. على الشال والفستان والبلوز والكوفية، وفساتين السهرة».
وتدفع السقا عن نفسها تهمة المس بالتراث وتحويله إلى مجرد سلعة تجارية، بقولها: «حافظنا على أصالة الزخرف واللون، ونقلنا ذلك إلى الملابس الحديثة .. هذا يضمن انتشارا أكثر، ثم إننا ننشر الهوية الفلسطينية».
وتتحول موهبة التطريز، التي تتقنها العديد من النساء، إلى مهنة تدر دخلا جيدا، حسب قول فاطمة، التي تبلغ من العمر 32 عاما، وتعمل في هذا المجال، رغم صعوبة العمل.
وتمضي فاطمة وقتا طويلا في منزلها لانجاز ثوب واحد، وتختلف فترة انجاز قطعة عن أخرى بحسب الثوب المطلوب تطريزه ونوع التطريز، وأحيانا قد يستغرق انجاز ثوب واحد عدة شهور، بحسب حجم التطريز فيه.
وقالت عبير التي تستعد لعرسها «الأثواب حقا جميلة وأنا سأرتدي ثوبا في ليلة الحناء. فعدا أنها مميزة فإن خطيبي متحمس لها ويشجعني على ارتدائها».
أما أميرة، فتقول إنها تبدو أجمل بالثوب الفلسطيني، وكانت قد اكتشفت والدتها بمحض الصدفة عندما اقترحت عليها إحدى صديقاتها أن تجربه: «رأيت نفسي أكثر رشاقة وجمالا .. الألوان رائعة والتصميم وشعرت كما لو أني أميرة» وعرضت السقا مجموعة من الأثواب الأصلية والنادرة، التي يجري الاستنساخ عنها بشكل دقيق، من بينها ثوب القدس، وهو مصنوع من قماش حريري، موشح بخيوط من القصب، وتعرفه النساء باسم ثوب جنة ونار، والسبب، انه مصنوع من اللونين الأحمر والأخضر.
ويدل لون كل ثوب، على أي مدينة يتبع، حسب قول السقا: «فثوب رام الله مثلا يتميز بالأحمر النبيذي، وثوب الخليل بالبني، وثوب أسدود بالبنفسجي، وثوب المجدل بالأحمر، وبئر السبع بالبرتقالي، أما القاسم المشترك بين كل الأثواب فهي رسمة النجمة الكنعانية الثمانية، ويعتبرها الفلسطينيون الذي يتحدرون وفق ما يعتقدون من كنعان، رمزا لفلسطين».
أما أجمل الأثواب، وأغلاها ثمنا، فهو ثوب بيت دجن، كونه مليئا بالتطريز الدقيق، ويصل سعر الثوب الأصلي المطرز قديما إلى أكثر من 6000 دولار، أما المطرز حديثا فيصل إلى 1500 دولار.
وتستعمل في ثوب بيت دجن غرزة معروفة «بالفلاحي»، بالإضافة إلى قطبة التحرير والقصب، المعمولة من خيوط القصب المطلية بالذهب التي كانت حكرا فقط على منطقة بيت لحم، وتمتاز هذه القطبة بأنها تطرز فوق القماش، وليس فيه.
تشرح السقا: «عندما تزوجت فتاة من بيت لحم إلى يافا، أدخلت قطبة التحرير والقصب على ثوب بيت دجن، فصار خليطا من قطبة الصليب والتحرير».
مها السقا تمسك بفستان الدجن الذي يقدر ثمنه بـ6000 دولار
تجدر الإشارة إلى أن السقا بدأت تهتم بالثراث، بعد بداية الانتفاضة الأولى باعتباره شكلا آخر من أشكال المقاومة، «أردت أن أقول انه لدينا جذور ووجود على هذه الأرض».
لكنها عانت لفترة طويلة مما وصفته «بخجل» الفتيات والنساء من ارتداء الأثواب الفلسطينية، وكان هذا خجلا مرتبطا بفهم «خاطئ» بأنها تخص القرويات من كبيرات السن.
ومنذ فترة الخمسينات، بعد الاحتلال الإسرائيلي، للضفة وغزة، اختفت هذه الأثواب، بشكل كبير، وتم إهمالها من قبل ناسها، بينما نجح الاحتلال في أن يشتري أثوابا كثيرة من النساء لطمس الهوية الفلسطينية.
وتتابع: «أكثر الأثواب انقرضت بعد عام 48 .. اللاجئون هربوا بأثوابهم، ومن ثم باعوها من شدة الفقر».
وأضافت «الاحتلال اشتراها بأبخس الأثمان، أنا شاهدت موشي ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، يسلم على يهودية في نيويورك ترتدي ثوب رام الله».
وفتحت السقا معركة مع المشرفين على الموسوعة العالمية عندما شاهدت عام 1993 ثوب بيت لحم (ثوب الملك) مسجلا باسم إسرائيل، والعام الماضي فقط، أزيل الثوب من القائمة.
مسألة ثانية، كانت سببا في فقدان بعض الأثواب التي ترى السقا أنها لا تقدر بثمن، وهي أن المسيحيات الفلسطينيات كن يطلبن أن يدفن بأثوابهن، وساهمت الانتفاضة الأولى بصحوة جعلت الفلسطينيين يتمسكون بكل ما يرمز لهويتهم، أو إلى وطنهم، بما في ذلك الثوب الفلسطيني.
واليوم أصبح مألوفا أن تشاهد عروسا وصديقاتها وأهلها يرتدونها بفخر، وتشرح السقا: «كانت العروس قبل الاحتلال، تطرز بيدها 6 أثواب لعرسها، بمساعدة صديقاتها.
وكان لكل مناسبة ثوب، فللسهرة ثوب وللحناء ثوب، على أن يخصص أجمل واحد لليوم الأول، لأنه اليوم الذي كانت فيه العروس تخرج وتحضر ماء من العين، وبالتالي عليها أن ترتدي أجمل ما لديها